متفرقات

الدورة 33 تفتتح هذا المساء بالعاصمة الفرنسية : ماذا تخفي دورة الخوارق والإستثناءات الـتــي تـحـتـضـنـها بـاريـس للـمـرة الـثالثة؟

ستتوقف عقارب الساعة للحظات عشية اليوم مع حدود الساعة السابعة والنصف، معلنة إعطاء إشارة انطلاق الحدث الرياضي الأكبر في الكون والذي ينتظره كل سكان المعمورة دون استثناء باعتباره حدثا رياضيا في الأصل إلا أنه يهم السياسي والإقتصادي وعالم النفس والفني والمهندس والكهل والطفل والمرأة والرجل وكل من يسير على قدميه ويتنفس أوكسجين الحياة وكل الذين هم غير شغوفين بالرياضة إلا عندما تحل الألعاب الأولمبية مرة كل أربع سنوات وكل أفراد الأسرة الواحدة المعنية بمتابعة أطوار هذا الحدث مع بعض في البيت أو في النادي أو في الأماكن العامة والفضاءات التي استعدت بدورها لتساير أجواء الأولمبياد الثالثة والثلاثين التي ستشهد أرقاما قياسية غير مسبوقة منذ تأسيس الألعاب الأولمبية الحديثة عام 1896 بأثينا إلى اليوم…

إنها التظاهرة الوحيدة على وجه الكرة الأرضية التي تتصارع كبرى القوى العالمية على استضافتها وتخصص لها آلاف المليارات من أجل الظفر بأحقية تنظيمها ويتسابق أبرز وأهم المشاهير والنجوم والعمالقة في الرياضات المختلفة على الفوز بذهبياتها… تلك هي الألعاب الأولمبية التي كادت أن تضمحل في دورتها الثانية عام 1900 التي استضافتها فرنسا للمرة الأولى بسبب تزامنها مع حدث أشد أهمية في تلك الفترة ونعني المعرض العالمي في زمن كانت الأولمبياد تقام فيه طيلة عدة أشهر…

للحد من الكلفة العالية لأول مرة دورة في عدة مدن

إنه التاريخ الذي لن يمحى من الذاكرة وتبقى الأجيال تتناقله جيلا بعد جيل عبر الزمن الذي لا يتوقف حتى أفول هذا العالم الذي شهد عبر العصور تغييرات غير منتظرة وثورات تكنولوجية لازالت مستمرة بعد الثورات الفلاحية ثم الإجتماعية والصناعية التي مرت بها البشرية ومارافقها من حروب ووو…

وبعد دورة فارطة كادت أن تعرف نفس مآل دورات طوكيو وبرلين ولندن التي ألغيت بسبب الحرب العالمية الأولى والثانية وأنقذتها في آخر المطاف الإجراءات التي اتخذت باتفاق بين اللجنة الأولمبية الدولية والأمم المتحدة والمنظمة العالمية للصحة والحكومة اليابانية أولا بتأجيلها إلى عام 2021 ثم بإجرائها لأول مرة دون حضور الجمهور مع مارافق ذلك من تضحيات،  تعود الألعاب الأولمبية لمسارها العادي لتجري العاب باريس بصفة طبيعية لكن دون مخاطر خاصة مالية بعد الانعكاسات السيئة التي تركتها الدورات الأولمبية الأخيرة وتأثيراتها على الصعيد الإقتصادي وأيضا الإجتماعي في البلد المنظم. ولعل الكل استفاد من درس مونتريال 1976 وأثينا 2004 وغيرهما…. ذلك أنه خلافا للدورات الفارطة فإن دورة باريس ورغم مضاعفة ميزانية الإنفاق بين الميزانية التقديرية المخصصة للتنظيم سنة 2017 والأرقام التي بلغتها إلى حد الآن لم نسجل خلالها صرف نفقات مكلفة على الملاعب والفضاءات الرياضية وتشييد ملعب أولمبي أو منشآت رياضية جديدة حيث ستقام المنافسات الرياضية إذا أن كل المسابقات ستقام بفضاءات موجودة وفي بعض الأحيان في أماكن عامة تمت تهيئتها بأقل التكاليف…

لذلك فإن معظم المنافسات الرياضية ستجري في عديد المدن الفرنسية مثل نانت ومرسيليا وليون وبوردو وشاطورو وسانت إيتيان وليل وكذلك هايتي بالنسبة لمسابقة التزلج على الماء «السورف» وليس بالعاصمة باريس فقط مثلما تعودنا ذلك في الدورات الماضية. وهي المرة الأولى التي تقام فيها المسابقات في عدة مدن وليس في المدينة المستضيفة فحسب.

افتتاح خارج الملعب على غير المعهود

وفي الحقيقة فإن دورة باريس 2024 الثالثة التي تستضيفها العاصمة الفرنسية بعد دورتي 1900 و1924, ستشهد الكثير من النقاط والأحداث التي يسجلها التاريخ الأولمبي للمرة الأولى في تطور لافت يعكس المراحل الكبيرة التي مرت بها الألعاب الأولمبية الحديثة بين دورتي اليونان 1896 وباريس 2024.

ولعل من بين هذه الأحداث قصة التناصف بين الرجال والسيدات التي بدأت تدريجيا أولا بالتوصية بالــترفيع في عدد النساء على مســـتوى القيادة والتسيير والتي انطلقت منذ 16 سنة لتبلغ التناصــف الفعلي للمرة الأولى بمــشاركة 5250 رياضـية و5250 رياضي لأول مرة. وكانت المرأة عند انطلاق الألعاب ممنوعة من المشاركة حيث أن بيار ديكوبرتان كان يقول الرجل يشارك والمرأة تصفق لإنجازه وهو ما جعل النساء يثرن على كوبرتان ويقمن بتأسيس منظمة مشابهة لتنظيم ألعاب أولمبية خاصة بالنساء وكانت هذه الحادثة فعالة للتأثير على الفاعلين في الحقل الأولمبي الدولي  وقبول اللجنة الأولمبية الدولية مشاركة الفتيات ..ومن ناحية أخرى يتمثل الجديد على مستوى الرياضات المرافقة التي تم إدراجها في البرنامج إلى جانب الرياضات الأساسية حيث اختار الفرنسيون رياضات التسلق وركوب الأمواج والتزلج التي سبق لها أن دارت للمرة الأولى في دورة طوكيو الفارطة ثم إدراج البريك دانس للمرة الأولى في اختيار فاجأ الجميع ومثل خيبة أمل كبيرة للفرنسيين المولعين بالكاراتي أو بالكرة الحديدية التي هي في الأصل رياضة فرنسية…

ثم أن أولمبياد باريس أرادت وضع الإرث الفرنسي في الواجهة ومزيد الترويج له من خلال تهيئة فضاءات رياضية بمحيط متحف اللوفر وبرج إيفل والقصر الكبير والتروكاديرو وقوس النصر وغيرها من الأماكن التاريخية التي تمثل إرثا عالميا بارزا. وفي هذا الإطار استحدثت لجنة التنظيم قصة تنظيم حفل الإفتتاح مساء اليوم لأول مرة خارج ميدان كرة القدم على محيط نهر السين وبحضور ما يقارب 300 ألف من الجماهير علاوة على آلاف المشاركين…

تونس والعرب وإفريقيا هل تستعيد ما خسرته؟

ولاشك أنه مع كل دورة تستعد كل الدول وتهيئ رياضييها على النحو الأفضل لحصد أكثر حصة من الميداليات بالنسبة للبعض و إظهار القوة الرياضية بالنسبة للبعض الآخر والتأثير السياسي على هذا القطاع و ما تخفيه الحرب بين الشركات الرياضية العالمية والمستثمرين في هذا المجال الباحثين عن الكسب بكل الوسائل. لكن هذه حكاية الكبار بين الولايات المتحدة التي تريد مواصلة بسط هيمنتها والصين منافسها الأول الذي يعمل على استعادة الريادة مثلما فعل عام 2008, و بريطانيا وأيضا فرنسا البلد المنظم الذي يحلم بالتواجد ضمن الأربعة الأوائل في الترتيب النهائي بالفوز بمجمل 75 ميدالية ملونة. فيما تسعى بعض الدول الأخرى إلى تثبيت حضورها بنيل شرف اعتلاء منصة التتويج أو الظفر  بميدالية ذهبية علها تنسيها أحزانها ومآسيها السياسية والإجتماعية والإقتصادية تسكن بها آلامها ولو لفترة قصيرة من الزمن …

وهنا نتحدث عن إفريقيا التي تأمل في تحقيق حصيلة أفضل من طوكيو والعرب الذين لايزالون يحلمون بالذهب الأولمبي رغم وفرة الأبطال التي تضمها الوفود العربية لاسيما مصر الوفد الكبر والأوفر حظا للفوز بميداليات في عديد الرياضات.

وتبقى تونس التي تشارك بوفد متواضع يضم 26 رياضيا بعد أن تم استبعاد المصارع أمين القنيشي بقرار من المحكمة الرياضية الدولية لمدة أربع سنوات وهو قرار مجحف لا بسبب تعاطيه المنشطات بل بسبب عدم خضوعه لترتيبات المنظمة الدولية..

وسنتحدث بتفاصيل ضافية عن المشاركة التونسية غدا مع بداية دخول ممثلينا غمار الألعاب…